الثانية آداب وعلوم إنسانية
اللحن الجديد - منهجية تحليل نص مسرحي ① لتوفيق الحكيم I نموذج تطبيقي
◄ تمهيد:
المسرح فنّ من الفنون الإبداعية الذي يتميز بخصائص مهمة تجعله مختلفا عن باقي الأنواع الفنية الأخرى، ومن هذه الخصائص نذكر: الممثل والجمهور والمكان واللغة والمخرج والإضاءة، وبالنظر إلى المسرح باعتباره نصا إبداعيا فإنّه يرتكز أساسا على تقنية الحوار والصراع الدرامي والسينوغرافيا.
وقد تعرّف المجتمع العربي فنّ المسرح بعد أن نقله من الغرب عدد من المبدعين نذكر منهم مارون النقاش وجورج أبيض ويعقوب صنوع، فهؤلاء وأمثالهم قاموا بترجمة عدد من الأعمال المسرحية الغربية إلى العربية لتنطلق بعد ذلك عمليات الإبداع في هذا الفن مع رواده الأوائل، أمثال: توفيق الحكيم وعبد الكريم برشيد، وقد رسم هؤلاء المبدعون أسس هذا الفن الذي يشترك مع القصة القصيرة في الحدث والشخصيات والزمان والمكان، ولكنه يختلف عنها في طريقة تناول الموضوعات وفي الاستعانة بالحوار كمظهر حسي بارز يشكل صورته الطباعية الخارجية، بالإضافة إلى ارتكازه على عنصري الصراع والحركة.
І- ملاحظة النصّ:
1) صاحب النص:
توفيق الحكيم: كاتب ومؤلف مصري ولد بالإسكندرية عام 1898م وتوفي بالقاهرة سنة 1987م، اشتغل في مجال القضاء وكيلا للنائب العام ثم انتقل إلى وزارة المعارف مديرا للتحقيقات كما اشتغل في وزارة الشؤون الاجتماعية، وبعد ذلك تفرغ للصحافة وكشف عن ميولاته الفنية والأدبية فصار مديرا عاما بدار الكتب، ثم عضوا متفرغا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. ويُعتبر توفيق الحكيم رائدا من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية.
2) نوعية النص ومصدره:
النص عبارة عن مسرحية مأخوذة عن كتاب "المسرح المنوع" المطبعة النموذجية، القاهرة، ص: 507 – 509 (بتصرف).
3) ملاحظة العنوان:
يحيل لفظ ”اللحن“ على الموسيقى، ولكن هذا من الجانب الظاهري فحسب، والواقع أنّ هذا اللفظ يمكن أن يُستخدم مجازيا في مجالات عدة كما في هذا النص، فالمقصود بـ"اللحن الجديد" هو "الحياة الزوجية الجديدة".
4) وضع الفرضية:
نفترض انطلاقا من المشيرات السابقة أن في هذه المسرحية نَقْلٌ للحوار الذي دار بين حمدي ووجدان حول حياتهما الجديدة بعد الزواج.
ІІ- فهم النّص:
* المتن الحكائي للمسرحية:
يعرض هذا النص المسرحي حوارا دار بين زوجين حديثي العهد بالزواج هما حمدي ووجدان، وهما يستعدان للاحتفال بمناسبة مرور الشهر الثاني على زواجهما، فقد أثنت الزوجة على زوجها لأنه قدم إليها باقة أزهار ثم أخبرها بأن الهدية الأكبر هي اللحن الجديد الذي سيهديه لها، لكن وجدان سرعان ما شردت مما جعل حمدي يسألها عن سر شرودها، ثم تطور الحوار بين الزوجين حتى وصل إلى موضوع والدة وجدان التي تحل في كل مرة ضيفة عليهم، غير أن المشكلة الحقيقية هي أنها لا تضيع أية فرصة لانتقاد حياتهما ومستواهما المعيشي، وقد اشتكى حمدي من تصرفاتها تجاهه بخاصة، لكن وجدان حاولت طمأنته والتخفيف من كما اِلْتَمَسَتْ العذر لأمها.
ІІІ- تحليل النص:
1 - الحدث:
تُبنى المسرحية باعتبارها نصا حكائيا على مجموعة من الأحداث، وهذا النص يتمحور حول احتفال الزوجين بمرور الشهر الثانية على زواجهما، بحيث دار بينهما حوار لطيف ينم عن السعادة والفرح ولكنه سرعان ما تحول إلى مناقشة حادة حول والدة وجدان.
2 - الشخصيات:
إن طبيعة العمل المسرحي تفرض وجود عدد من الشخصيات التي تتفاعل فيما بينها، وهي تؤطر الأحداث والمواقف، وفي هذا النص نجد شخصيتين رئيسيتين هما الزوج حمدي وزوجته وجدان، وكلاهما يتميز بعدد من الصفات الاجتماعية والفيزيولوجية و النفسية.
3 - الزمان والمكان:
وهما يشكلان في المسرحية – كما في غيرها من الفنون الحكائية – الإطار الذي تجري فيه الأحداث، فالزمان في النص هو الشهر الثاني بعد الزواج، والمكان هو شقة في الزمالك بالقرب من النيل.
4 - الحِوار:
وهو التقنية الأساسية التي بفضلها تتنامى الأحداث، فالنص المسرحي يتجاوز الأسلوب السردي والأسلوب التصويري ليركز على الجمل والتعابير التي تتبادلها الشخصيات فيما بينها، وهذا هو المظهر الحسي البارز لكل نص مسرحي، فليس هناك سارد يتدخل للتوضيح أو التعليق أو سبر أغوار الشخصيات، ولكن كل ما يمكن أن يعرفه القارئ يكون من خلال حوار الشخصيات فيما بينها. ونظرا لأهمية الحوار فإن الكاتب يجب أن يعمل على صياغته صياغة تتلاءم مع المواقف من حيث الطول والقصر، وعلى إدراج لحظات الصمت في مكانها المناسب حتى لا تكون اعتباطية.
5 - الصّراع الدرامي:
بالإضافة إلى المظهر الحسي السابق فإن النص المسرحي يتميز بالصراع الذي ينشأ بين الشخصيات نظرا لتضارب الرغبات والغايات والمواقف، وهو صراع قد يكون فكريا أو اجتماعيا أو دينيا أو سياسيا… كما يكون صراعا ظاهرا من خلال التعابير والألفاظ المباشرة أو خفيا يفهم من السياق، وقد يكون خارجيا يجري بين الشخصيات كما يمكن أن يكون داخليا يجري بين الشخصية وذاتها الداخلية، وهذا الصراع هو الذي يحرك الشخصيات في اتجاه الحوار، وفي هذا النص فإننا نلمس صراعا ظاهرا بين الزوج والحماة وصراعا خفيا بين الزوج و زوجته.
6 - الإرشادات المسرحية:
بما أن الغالب في النص المسرحي هو الأسلوب الحواري، فإن الكاتب يلجأ في بعض الأحيان لتوضيح نوع الحركات أو الإضاءة أو تنغيم الأصوات إلى جمل يضعها بين قوسين، وهي تساعد القارئ أو المخرج على تجسيد المعاني والحركات الحقيقية المقصودة من الحوار. ومن أمثلة السينوغرافيا في هذا النص نجد مثلا (شاردة فجأة) أو (شقة جميلة على النيل / حمدي أمام بيانو كبير / ووجدان تنسق أزهارا).
7 - الفكرة أو الموضوع:
ونقصد بها المضمون الفكري الذي تعالجه المسرحية، حيث يمكن أن تعالج مجموع من القضايا المتنوعة، ويمكن للكاتب أن يقدم وجهة نظره من خلال إحدى الشخصيات مع إدراج باقي وجهات النظر الأخرى من خلال الشخصيات الأخرى.
8 - الحركة والفعل:
تبدأ المسرحية نصا مكتوبا ولكنها لا تأخذ وضعها الحقيقي، إلا حين تمثل على الركح، حيث تجمع بين الكلمة والحركة في شكل متناسق، فالحركة المصاحبة للنص لا تكون اعتباطية ولكنها تساهم في تجسيد العمل المسرحي.
ІV- تركيب وتقويم:
نتيجة لما سبق، نستنتج أن النص المدروس عبارة عن مسرحية احترمت الخصائص المميزة لهذا الفن؛ حيث تبدأ بنص يعتمد خصوصية الحوار والصراع والسينوغرافيا، غير أنه عندما يتحول إلى خشبة المسرح أو الركح يضاف إليه مجهود المخرج وعدد من الوسائل المساعدة كالإضاءة والديكور والموسيقى. مع ملاحظة أن بعض النصوص المسرحية التي اصطلح عليه بالمسرح الذهني ليست قابلة للتحول إلى عرض مسرحي.
تحليل جميل جدا فيه شرح لكل العناصر
ردحذف