الثانية آداب وعلوم إنسانية
مقدمات القصائد الشعرية المدروسة في الدورة الأولى pdf: إحياء النموذج | سؤال الذات | تكسير البنية | تجديد الرؤيا
إحياء النموذج:
خلال
مرحلة طويلة من الركود والانحطاط بدأت مع سقوط بغداد سنة
656
هـ، لم يستطع الشعر العربي المحافظة على مستواه
الفني الذي ميّزه في
عصور
الازدهار السابقة
الجاهلي والأموي والعباسي، بل
إنه اكتسب صفات التراجع والتخلف من كثرة
الافراط في الصّنعة
والتكلف وتكرار الموضوعات التافهة
واستخدام اللغة الضعيفة.
وأمام هذا الوضع المتردي كان لابد من بعث
الشعر وإحيائه بحيث تبدأ العملية أساسا بتقليد الشعر
العربي القديم من حيث اللغة والأغراض والأساليب الفنية الراقية والمعاني والبناء والإيقاع والصور الفنية، على أن تلي هذه المرحلة مرحلة ثانية
تضيف بعض التطوير والتجديد إلى النموذج القديم وتهتم بقضايا العصر الحديث الوطنية
منها والتاريخية والاجتماعية.
وقد اضطلع بهذه المهمة مجموعة من
الشعراء الرواد وعلى رأسهم محمود سامي البارودي وأحمد
شوقي ومحمد
مهدي الجواهري وعلال الفاسي وغيرهم.
ونجحوا إلى حد كبير في محاكاة النموذج
الشعري القديم كما نجحوا في التأسيس لمرحلة أساسية من مراحل تطور الشعر العربي
الحديث.
سؤال الذّات:
ظهرت الرومانسية العربية في بداية
القرن العشرين كرد فعل ضد المدرسة التقليدية التي همشت الذات والعاطفة، بحيث لم
يكن من المستساغ الاستمرار في تقليد الشعر العربي القديم في وقت كان فيه المجتمع
العربي يحاول الخروج من النفق المظلم الذي فرضته عليه
السنوات الطويلة من الانحطاط، وقد تضافرت مجموعة من العوامل وساعدت على ظهور الشعر
الرومانسي العربي الذي جعل الذات مصدر الإبداع وبؤرته، منها:
*
التأثر بأعلام الرومانسية الغربية أمثال لامارتين وفيكتور هيجو.
*
معاناة الجيل العربي في تلك الفترة من كبت الحريات ومصادرة الأفكار والتعرض للقمع،
وهذا ما أثَّرَ على توجه الشاعر العربي الذي انطوى على نفسه وانسحب إلى دنيا
الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل.
*
الرغبة في
التجديد عندما ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا
التحرر من القيود
التي
كبلت
وقد بدأت الحركة الرومانسية على صورة
مذهب نظري نقدي ثم بعد ذلك جسدها الأدباء في إنتاج شعري. وقد تبلور هذا الاتجاه في
كتابين نقديين هما ”الديوان“ سنة 1921 لكل من العقاد والمازني، وكتاب ”الغربال“ الذي صدر سنة 1922
لميخائيل نعيمة، بالإضافة إلى مجلة أبولو التي صدرت عام 1932، وانطلاقا من هذا
الجانب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية رومانسية أهمها: مدرسة الديوان والرابطة
القلمية (المهجر) وجماعة أبولو. ويمكن إجمال المبادئ الرومانسية
فيما يلي:
-
الثورة على المضامين الشعرية التقليدية وعلى
الصياغة
اللغوية والبلاغية للشعر القديم.
-
اعتبار الأدب مجالا للتعبير عن الذات وانفعالاتها
وتأملاتها.
-
اتخاذ الطبيعة أو الغاب عالما مثاليا ومادة
خاما
لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية.
-
تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية.
-
البحث
عن
عالم مثالي تسوده مبادئ العدل والمساواة، ولذلك
نجد في أشعارهم كثيرا من مظاهر التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن
والتفاؤل والتشاؤم.
تكسير البنية:
لم يتوقف
خطّ التطور
في الشعر العربي الحديث عند النقطة التي عرفناها مع المدرسة الرومانسية،
ولكنه
استمر في عملية التجديد والتطوير استجابةً لعدد
من الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي فتحت آفاقا جديدة أمام الشاعر العربي،
الذي
أصبحت له رؤيا جديدة لم تعد الأشكال الشعرية المتوارثة عن القدماء تستطيع التعبير عنها.
وهكذا انتقل
الشعر العربي من مستوى التقليد والرومانسية إلى مستوى أكثر انفتاحا على بنيات
شكلية ولغوية وفكرية جديدة،
تجاوز
من خلالها البنية الشعرية التقليدية
وعوّضها ببنية
شعرية جديدة تعتمد نظاما لغويا وإيقاعيا
مختلفا، يركز
على الانزياح اللغوي والتركيبي ونظام
السطر
الشعري والتنويع في القوافي واستخدام
وسائل
جديدة في تأليف الصور الشعرية كالرموز والأساطير. ومن روّاد هذه
المدرسة نذكر نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وأدونيس وعبد الوهاب البياتي
وصلاح عبد
الصبور وعبد الكريم الطبال
وأحمد المعداوي ومحمد الميموني وغيرهم.
تجديد الرؤيا:
عندما نتحدّث عن التّطور في الشعر العربي الحداثي، فإنّنا في الغالب ما
ننتبه إلى الجوانب الشكلية التي تجاوز فيها هذا الشّعر القصيدة العربية التقليدية،
وبخاصة منها الجانب الإيقاعي، غير أنّ الواقع الحقيقي الذي ميّز هذا الشعر ليس هو
الجانب الشكلي، ولكنه ما يُعرف عند الشعراء بالرؤيا الشعرية؛ وهي نظرة الشاعر إلى
القضايا التي تحيط به وبأمّته وبمحيطه عموما، حيث لم تقم الحركة الشعرية الحداثية على
مفهوم تكسير البنية فحسب، ولكنها تأسست على شقّ ثانٍ أهم
وهو ما يعرف بتجديد الرؤيا؛
فالشاعر
يجب أن يمتلك رؤيا خاصة للقضايا المحيطة به وبمجتمعه، والشاعر
صلاح عبد الصبور وعبد الوهاب
البياتي من الشعراء الذين اكتسبوا هذه الرؤيا وعبّروا عنها
في أشعارهم وخاصة في مسألة الموت والبعث التي انطلق منها
هذا الأخير كَفِكْرة ليصل
إلى حلم الانبعاث من قوقعة التّخلف
والهزائم
التي فرضت على الواقع العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق