1- الشكل:
من خلال ملاحظة الشكل الخارجي لقصائد تكسير البِنية ومقارنته مع قصائد تجديد الرؤيا، يتّضح أنّ هناك تشابهاً من حيث طريقة الكتابة، والتي تقوم دائما على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطّول والقِصر، كما يلي:
* تكسير البِنية:* تجديد الرؤيا:
2- المقدمة:
* تكسير البِنية:
لم يتوقف خطّ التطور في الشعر العربي الحديث عند النقطة التي عرفناها مع المدرسة الرومانسية، ولكنه استمر في عملية التجديد والتطوير استجابةً لعدد من الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي فتحت آفاقا جديدة أمام الشاعر العربي، الذي أصبحت له أفكار جديدة لم تعد الأشكال الشعرية المتوارثة عن القدماء تستطيع التعبير عنها. وهكذا انتقل الشعر العربي من مستوى التقليد والرومانسية إلى مستوى أكثر انفتاحا على بنيات شكلية ولغوية وفكرية جديدة، تجاوز من خلالها البنية الشعرية التقليدية، وعوّضها ببنية شعرية جديدة تعتمد نظاما لغويا وإيقاعيا مختلفا يركز على الانزياح اللغوي والتركيبي ونظام السطر الشعري والتنويع في القوافي.
عندما نتحدّث عن التّطور في الشعر العربي الحداثي، فإنّنا في الغالب ما ننتبه إلى الجوانب الشكلية التي تجاوز فيها هذا الشّعر القصيدة العربية التقليدية، وبخاصة منها الجانب الإيقاعي، غير أنّ الواقع الحقيقي الذي ميّز هذا الشعر ليس هو الجانب الشكلي، ولكنه ما يُعرف عند الشعراء بالرؤيا الشعرية؛ وهي نظرة الشاعر إلى القضايا التي تحيط به وبأمّته وبمحيطه عموما، حيث لم تقم الحركة الشعرية الحداثية على مفهوم تكسير البنية فحسب، ولكنها تأسست على شقّ ثانٍ أهم وهو ما يعرف بتجديد الرؤيا الذي تميّز باستخدم وسائل جديدة في تأليف الصور الشعرية كالرموز والأساطير؛ فالشاعر في هذه المرحلة يجب أنْ يمتلك رؤيا خاصة للقضايا المحيطة به وبمجتمعه.
3- الرّواد:
* تكسير البِنية:
بدر شاكر السياب - نازك الملائكة - أحمد عبد المعطي حجازي - صلاح عبد الصبور - أمل دنقل - فدوى طوقان - سميح القاسم - أحمد المجاطي - عبد الله راجع - محمد الخمار الكنوني - مصطفی المعداوي - محمد السرغيني - عبد الكريم الطبال - محمد بنّیس.
وتجدر الإشارة، هاهنا، إلى أن من هؤلاء الشعراء الرواد من كتب "قصيدة االرؤيا" التي تحسب على التيار الثاني، ومنهم: بدر شاكر السياب، وأحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، ومحمد الخمار الكنوني وغيرهم. وبذلك يكونون قد سایروا التيارين الحديثين معاً (تكسير البنية، وتجديد الرؤيا)، كما أنّ من الشعراء الحداثيين من انحاز - منذ بداياته الأولى – لـ "شعر الرؤيا"، مما يعني أنّ تقسیم انتماء الشعراء إلى هذا التيار أو ذاك ليس بالصرامة المنهجية النهائية، ليظل معيار التمييز رهينا بمكونات وخصائص النصوص، لا بأصحابها.
أدونيس - يوسف الخال - محمد الماغوط - خليل حاوي - أنسي الحاج - سعيد عقل - عبد الوهاب البياتي - سعدي يوسف - محمود درویش
ويبدو من هذه الأسماء من يحسب على التيار السابق (تكسير البنية)، ومنها من أعلن اصطفافه، لأول وهلة، إلى جانب التيار الثاني (تجديد الرؤيا) كـأدونيس، ويوسف الخال مثلا. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أنّ المعيار الأبرز والراجح في التمييز بين قصائد "التيار الأول" وقصائد "التيار الثاني" هو مقومات أو خصائص النص ذاته، لا صاحبه.
4- المضمون:
* تكسير البِنية / تجديد الرؤيا:
- القطع مع نظرية الأغراض الشعرية التقليدية والكلاسيكية والموضوعات الرومانسية المسكوكة والمجترة، واستبدالها بمضامين، أو بالأحرى برؤيا واقعية ثورية أحيانا، ووجودية تأملية أحيانا أخرى: رؤيا ذاتية فلسفية شاملة وعميقة.
- الانخراط الفاعل في قضايا الواقع العربي والدولي.
- التفاعل مع التراث الإنساني بشكل عام، مما يعني أن تعامل الشاعر المعاصر تجاوز التراث القومي إلى الإنساني، وذلك باستثمار أساطيره، ورموزه ودلالاته وأبعاده، وقيمه علما بأن هذا التفاعل كان محدودا ومنقوصا في مرحلة (تكسير البنية) ، لكنه غدا مكثفا ومعمقا في مرحلة (تجديد الرؤيا).
* تكسير البِنية:
- التعبير عن تجربة الغربة والضياع، بفعل واقع البؤس والفقر والتهميش والإقصاء الذي أصبح يعيشه الشاعر المعاصر من جهة، وواقع التخلف والجمود والجهل والانحلال والعنف والقوة الذي بات يشهده المجتمع العربي والدولي من جهة ثانية.
- تصوير تجربة الموت والحياة، وذلك لوصف عالم عربي يعيش موتا سريريا بطيئا، لكن هذا العالم يُرجى علاجه ويُؤمل إعادة الحياة إليه.
5- المُعجم:
* تكسير البِنية / تجديد الرؤيا:
- الانفتاح على كل "الحقول الدلالية" وبدون استثناء، وهذا ما يُعرف بـ "التداخل المعجمي" الذي تغدو معه لغة الشاعر مُرکّبة من لغات فرعية .
- اعتماد تركيب لغوي خاص: وقد اتخذ هذا التركيب مظهرين مختلفين: شعري تقل فيه أدوات الربط، ونثري تكثر فيه الروابط.
- الميل إلى عدم استعمال علامات الترقيم أحيانا، مما يجعل تراكيب القصيدة تُقرأ قراءات متعددة.
* تكسير البِنية:
- توظيف معجم سهل وتواصلي قريب من الاستعمالات اللغوية اليومية المتداولة بين الناس دون أن يعني ذلك السقوط في المباشرة والتخلي عن مجازية اللغة وإيحائيتها.
- استخدام معجم بمدلولات غير حقيقية لشحنه بدلالات مجازية وانزياحية وإيحائية جديدة يكتسبها داخل القصيدة وتستفاد من سياقها.
6- الصّور الشعرية:
* تكسير البِنية / تجديد الرؤيا:
- استخدام صور شعرية بطوابع التحديث والمعاصرة:
* صور بنسبة كبيرة ومكثفة في النص.
* صور متنوعة: (جزئية ومركبة، وكلية).
* بدلالات ذاتية وواقعية وإنسانية.
* بمكونات بلاغية تخييلية جديدة كـالرمز والأسطورة (تجديد الرؤيا)، أو بمكونات تقليدية لكن متصرف فيها.
* بعلاقات تتأسس على: (المشابهة، والمجاورة والتجسيد، والتجريد والتشخيص، والتوسط، والبُعد، واللاعلاقة).
* بمرجعيات ذاتية واقعية إنسانية محسوسة ومجردة.
* بوظائف جمالية تعبيرية تأثيرية رمزية إيحائية...
* تكسير البِنية / تجديد الرؤيا:
- تكسير نمطية البناء الخليلي وهندسته الثابتة المعروفة، وذلك باعتماد نظام "السطر الشعري" بدل نظام "البيت الشعري" (أو ما يعرف بنظام الشطرين)، وتبنّي نظام "التفعيلة" بدل نظام "البحر"، وتنويع القافية والروي، أو التخلي عنهما بالمرة أحيانا بدل الاحتفاظ بوحدتهما.
- عدم الالتزام بعدد مضبوط ومحدد من التفعيلات في كل سطر شعري، بحيث يتم توزيع التفاعيل علی الأسطر بشكل حر وبنسب متفاوتة، وذلك طبقا للدفقة الشعورية للشاعر، ووضعيته الفكرية أو التأملية.
- تكسير الوقفة العروضية والدلالية.
- الاهتمام بموسيقى النص الداخلية، أي ما يعرف بـ"الإيقاع الداخلي"، مما يعني العناية بتكرار وتوازي مجموعة من المواد الصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية والدلالية. وربما لهذا السبب دافع أغلب شعراء الحداثة عن "قصيدة النثر" التي أقروا بشاعريتها، وبالتالي بشرعيتها.
* تكسير البِنية / تجديد الرؤيا:
- العناية الفائقة بالأسلوب، واعتباره مركز الثقل الشعري والعمل على تنويعه، وذلك باستثمار واستيحاء عدد من المقومات والصيغ الجمالية والتعبيرية والإمكانات الأسلوبية التي تتيحها فنون أخری کـ: المسرح، والتشكيل، والموسيقى، والسينما...
* تكسير البِنية:
- تقريب اللغة الشعرية من لغة الحديث اليومي، دون أن يعني ذلك عدم اللجوء إلى توظيف اللغة الفنية، من خلال توليد بعض العبارات الانزياحية، وكسر النظام الصارم للجملة، والخرق الجزئي لبعض الأعراف اللغوية.
- اعتماد لغة شعرية غامضة تقوم على تجاوز الدلالات الحرفية للكلمات، والعمل على إعادة اكتشاف الألفاظ، وإقامة علاقات جديدة بين مكونات الجملة، مع إمكان التصرف في بنية الجمل الشعرية بخلق انزياحات تركيبية متعددة، وما يترتب على ذلك من انزياحات دلالية.
الفرق بين تكسير البِنية و تجديد الرؤيا pdf:
ممتاز
ردحذف