الثانية آداب وعلوم إنسانية
منهجية كتابة موضوع إنشائي حول رواية اللص والكلاب | النّموذج النطبيقي ②
جاء في رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ:
"هذا هو رؤوف علوان، الحقيقة العارية، جثة عفنة لا يواريها تراب. أما الآخر فقد مضى كأمس أو كأول يوم في التاريخ أو كحب نبوية أو كولاء عليش (...) تخلقني ثم ترتد، تغير بكل بساطة فكرك بعد أن تجسد في شخصي، كي أجد نفسي ضائعا بلا أصل وبلا قيمة وبلا أمل (...) ترى أتقر بخيانتك ولو بينك وبين نفسك أم خدعتها كما تحاول خداع الأخرين ؟ ألا يستيقظ ضميرك ولو في الظلام ؟ أود أن أنفذ إلى ذاتك كما نَفَذَتْ إلى بيتك التحف والمرايا، ولكني لن أجد إلا الخيانة. سأجد نبوية في ثياب رؤوف، أو رؤوف في ثياب نبوية أو عليش سدرة مكانهما..."
اللص والكلاب - دار الشروق - القاهرة - الطبعة الثانية: 2007- ص: 37.
انطلاقا من هذا المقطع، ومن قراءتك الرواية ككل، اُكتب موضوعا متكاملا تبرز فيه ما يأتي:
- دور الخيانة بوصفها قوة فاعلة في توجيه مسار أحداث الرواية.
- مظاهر البعد الاجتماعي في الرواية.
◄ التحليل:
تنتمي رواية "اللص والكلاب" الصادرة سنة 1961م، إلى "المرحلة الفلسفية" من مسار التجربة الروائية لنجيب محفوظ، وهي المرحلة التي أصبح وعي الإنسان في رواياته مصدر عذابه وشقائه. من هنا نفهم بأن هذه الرواية فلسفية وجودية ورمزية، تستفيد من كتاب الرواية الحديثة لتمثيل الإحساس بالاغتراب والضياع والملل والقلق الوجودي، وتعبر عن الفوضى في الواقع، والتسبب في المجتمع وانحطاط الإنسان، وتردي القيم الأصيلة، كما تكشف عن خيبة الأمل في المقولات الاشتراكية، أو بالأحرى، في من روجوها كعناوین کبری للإصلاح والتغيير، لكنهم ارتدوا عنها خائنين.
تُری، ما دور الخيانة بوصفها قوة فاعلة في توجيه مسار أحداث الرواية ؟ وما أبرز مظاهر البعد الاجتماعي فيها ؟
تنتصب "الخيانة"، إلى جانب عدد آخر من القيم في رواية (اللص والكلاب) النجيب محفوظ، بوصفها قوة فاعلة بارزة في توجيه مسار أحداث الرواية، ذلك لأنها أحدثت شرخا كبيرا في عائلة سعيد مهران. فهذه العائلة كانت تعيش في سعادة وهناء، لكنها - بعد الخيانة - أصبحت مفككة ومنحلة. فلماذا خانت نبوية زوجها ؟
بعد أن دخل الزوج سعيد إلى السجن، لم تجد نبوية ما تقتات به وما تعيل به ابنتها. وعوض أن تجد في عليش عونا لها لمواجهة تكاليف الحياة والإخلاص لزوجها ومؤازرته في أعتى محنته، فقد وقعت ضحية أهوائه وإغراءاته بدعوى أن واجب المروءة يحتم عليه صونها والعناية بابنتها. فاستطابا معا الرذيلة وهما يعتقدان أن سعيد سيظل أبد الآبدين في غياهب السجن. ويتضح من تداعيات سعيد أنه دخل في حرب ضروس مع خصميه اللدودين، فهو يتحين الفرصة المناسبة فقط لإردائهما قتيلين. وهذا ما يفتح الرواية على احتمالات عديدة تظل فيها سناء ضحية اختيارات اجتماعية قاسية ومبهمة.
ولا تقتصر "الخيانة في الرواية على نبوية وعليش، وإنما تتعداهما لتشمل من كان بالأمس صديقا حميما لسعيد، ومساعدا ماديا، وأستاذا نبيلا، ومناضلا ثوريا، ألا وهو رؤوف علوان الذي انقلب على مبادئه، وتنكر لمصالح طبقته في خيانة كبرى لا يغفرها التاريخ، خيانة عظمى لن تنمحي آثارها بالنسبة لسعيد إلا باغتيال هذا العاق والمتسلق الطبقي.
وفضلا عن "الخيانة" يحفل النص الروائي بكثير من الظواهر الاجتماعية الأخرى من قبيل: اللصوصية، والفقر، والتهريب... من هنا أهمية رصد مظاهر البعد الاجتماعي في الرواية، وبهذا الخصوص نسجل أن العلاقة بين الرواية والمجتمع، في هذا النص، تتمظهر انطلاقا من المعاناة التي يكابدها البطل بعد خروجه من السجن، حيث يعيش حياة مترعة بالشقاء، وهي معاناة سببها الفساد الاجتماعي، وأفول القيم النبيلة في المجتمع المصري في الفترة ما بعد الثورة. والرواية تسلط الضوء على تداعيات هذا الفساد ممثلا في تفشي ظاهرة الفقر، ولجوء الأفراد إلى ممارسات غير سوية في سبيل تأمين حياتهم اليومية، مثل المومس نور التى ترتاد الفضاءات الليلية. هذا فضلا عن ممارسات اجتماعية أخرى كالنفاق والانتهازية اللذين ذهب ضحيتهما سعيد مهران. ومن هذا المنطلق يعتبر سعيد نفسه أنه يمثل الفقراء، وأن ما يقوم به من أعمال واختلاسات وانتقام هو مدخل إلى تغيير واقعهم. لكن هل تغيير الواقع يكون بالمبادرة الفردية المعزولة ؟ طبعا لا. ولذلك كان مصير هذا المشروع هو الفشل.
ختاما نقول: بالرغم من الخلفية الاجتماعية الحقيقية للرواية، وبالرغم من كونها تطرح جملة من القضايا والظواهر الاجتماعية التي شهدها المجتمع المصري بعد الثورة الناصرية، فإنها تظل نصا لا يعكس الواقع بفجاعته وصخبه كما هو، وإنما يعيد بناءه على نحو يتداخل فيه الواقع بالخيال، وتمتزج فيه الحقيقة بالحلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق