جاري تحميل ... مول لعربية - Mol L3arbiya

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

الثانية آداب وعلوم إنسانية

تحليل نموذج نص نقدي يوظف المنهج البنيوي - الليل والفرسان






    تعتبر سنة (1916م) - تاریخ صدور كتاب (محاضرات في اللسانيات العامة) للعالم اللغوي السويسري فردناند دي سوسير - البداية الفعلية لنشوء المنهج البنيوي في مجال الدراسات اللغوية، وذلك بالرغم من أن سوسير استعمل مفهوم "النظام" بدل مفهوم "البنية". ومنذ أن أبان هذا المنهج عن كفاية إجرائية عليا وفعالية تحليلية كبرى في حقل اللسانيات، تلقفه بحماس علماء أخرون ينتمون إلى حقول معرفية متنوعة، كما انجذب إليه كثير من النقاد العرب أيضا، مطبقين إياه في دراستهم للنصوص الأدبية، ومن أبرز هؤلاء نجد الناقد المغربي عبد الله شريق، وبخاصة من خلال كتابه "في حداثة النص الشعري"، وهو المصدر الذي اقتطف منه هذا النص الذي يبدو نقديا بالنظر إلى عدد من المؤشرات المرتبطة به، سواء منها الخارجية (كعنوانه، صاحبه، مصدره)، أو الداخلية (كبدايته، وسطه، آخره). وإذا كان أبرز ما يتميز به المنهج البنيوي هو تعامله مع النص الأدبي بوصفه بنية لغوية بالدرجة الأولى، بنية مغلقة على نفسها، شاملة وكلية، مستقلة وكافية بذاتها، منظمة من الداخل، وذات طابع دينامي متحول... وكل ذلك في محاولة للقطع مع التفسيرات العلية والخارجية للنص. فإلى أي حد استطاع النص المدروس تجسيد سمات وخصائص هذا المنهج ؟


    استهل الناقد دراسته لقصيدة "الليل والفرسان" بالقيام بقراءة أولى كشف فيها عن المضمون العام للقصيدة (محاولة تقديم صورة عن الواقع العربي المعاصر بما يكتنفه من ظلامية واستكانة وغياب لقيم العدل والخير والبطولة). ولما لم تكن هذه القراءة الأولى كافية لمقاربة القصيدة (مما يعني أن تلك الصورة لا يمكن التسليم بها تقديا، ولا يمكن أن تأخذ مشروعيتها إلا إذا تضافرت كل مستويات النص على دعمها وتأييدها)، فقد انتقل الناقد إلى إنجاز دراسة نصية القصيدة، وذلك عبر مستويات متعددة هي: (المستوى الإيقاعي، والمستوى المعجمي، والمستوى التركيبي، والمستوى الدلالي). وبعد دراسة المستويات السابقة انتقل الكاتب إلى مرحلة مهمة في الدراسة البنيوية وهي مرحلة "التأويل"، والتي توصل من خلالها إلى نتيجة محددة: القصيدة تجسد بالفعل واقع الحال العربي في كل مستوياتها. منتهيا إلى تحديد البنى أو الأنساق الرمزية التي تقوم عليها الرؤيا الشعرية في القصيدة: بنية الصراع والتضاد - بنية الحضور والغياب، وذلك على مستوى ثنائية "الليل/الفرسان".

    وبالانتقال إلى "المصطلح النقدي" الموظف في هذا النص، يمكننا جرد المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالمستويات التالية: الإيقاع، والمعجم، والتركيب، والدلالة، محددين العلاقة التي تربط بين هذه المستويات، كما يلي:

* الإيقاع: التشكيلات الإيقاعية - تفعيلة [متفاعلن] - الطول - كثرة الحركات - تفعيلة الكامل  -الرتابة - التكرار - الهمود - الترديدات الإيقاع الصوتية - تكرار بعض التقابلات الصوتية  -القوافي - إيقاعات رتيبة ومتكررة - مفاعلن - مستفعلن - فعلن - مفعولن - الطابع الإيقاعي - الحقل الصوتي - اللين - الرخاوة - الهمس...

* المعجم: حقول دلالية - الألفاظ - الكلمات - الحقل الاجتماعي - الوجداني - الديني - التاريخي - الجغرافي - التكرار الترادف - الترابط - التداعي - التقابل - التضاد...

* التركيب: الجملة الفعلية والخبرية القصيرة - أفعال الماضي - الجمل الإنشائية - أفعال المضارع - ضمير الغائب - صيغ الحال - النعت - التعجب - الجمل الإسمية...

* الدلالة (التصوير الفني): الصورة الكلية - الصور البيانية الجزئية - الصور الرمزية - صورة الفرسان – صورة النهر - الصورة الكبرى - شعرية الرمزالمشابهة - الانزياح اللغوي والتركيبي - التجريد- الإبهام - الرموز الدينية والتاريخية والحضارية...

◄ حيث تجمع بين هذه الحقول علاقة ترابط وتكامل.


ولا يخفى أن هذه المستويات أو المكونات النصية، هي ما يعتمده "المنهج البنيوي" عادة في التحليل، وهي تكشف عن أنه يتعامل مع النص كبنية لغوية مغلقة على نفسها. وإذا كان قد تم الانتقال في مرحلة أخرى إلى ما يسمى "مرحلة التأويل"، حيث امتدت القراءة لتستدعي عنصرا آخر من خارج النص هو (الواقع العربي المعاصر)، فإن ذلك لا يناقض النقد البنيوي في شيء، لأن هذا النقد عموما لا يلغي علاقة النص بمرجعيات خارجة عنه، وإنما يؤكد على ضرورة أن يكشف محلل النص عن تلك المرجعيات من داخل النص ذاته، لا أن ينطلق منها. ولعل هذا هو ما يسعى إلى ترسيخه أحد أبرز تيارات المنهج البنيوي، ألا وهو "البنيوية التكوينية".

ومن المؤشرات الأخرى الدالة على تطبيق المنهج البنيوي:

- توظيف الناقد مجموعة من المفاهيم التي ترتبط بهذا المنهج، وذلك من قبيل: (تحليل نصي، البنية الرمزية، الدلالة المباشرة، مستويات النص، تفكيك مكوناته الايقاعية والمعجمية والتركيبية والدولية، في المستوى الإيقاعي، التشكيلات الايقاعية، الترديدات الصوتية، التقابلات التركيبية، الحفل الصوتي، على المستوى المعجمي، تتوزع القصيدة إلى عدة حقول، علاقات التكرار والترادف، المستوى التركيبي، على مستوى بنية الصورة، من زاوية التناص...).

- تصريحه بأنه سيحاول تقديم تحليل نصي القصيدة "الليل والفرسان"، وهذا التحليل هو ما ينجزه المنهج البنيوي، لأنه عبارة عن قراءة داخلية للنص، قراءة تتعامل معه في ذاته ولذاته، دون الانطلاق من عوامل خارجة عنه تعتبر -بالنسبة المناهج أخرى- شروطا أساسية لإنتاجه وتلقيه.

- تفكيكه النص إلى مستويات للتحليل (إيقاع، معجم، ترکیب، دلالة، رمز)، واعتماد نتيجة ذلك دليلا على حقيقة ومشروعية الدلالة المباشرة التي كانت "القراءة الأولية" للقصيدة قد أسفرت عنها، وهي أن النص يعرض صورة عن حال مأساوي يعيشه الواقع العربي المعاصر. 



وبالنسبة للطريقة المعتمدة في عرض قضايا النص، نسجل أن الكاتب انطلق من الكل (محاولة إنجاز تحليل نصي للقصيدة) إلى الجزء (المستوى الإيقاعي - المستوى المعجمي - المستوى التركيبي - المستوى الدلالي) وهذه تسمى "الطريقة الاستنباطية" كما يمكن القول أنه انطلق من فرضية عامة هي أن الشاعر عبر عن الظلامية التي تسود المجتمع العربي المعاصر، ثم تتبع تجلي هذه الظلامية (التي يرمز إليها "الليل" طبعا) وهيمنتها في مختلف مستويات القصيدة المذكورة.



    أما الأسلوب في هذا النص، وكغيره من النصوص النقدية الأخرى، فإن أهم ما يميزه هو هيمنة "أساليب الحجاج" عليه، ومن جملة ما ورد منها، في النص المدروس، نذكر ما يلي:

- السرد أو الإخبار: « سأحاول الآن تقديم تحليل نصي لإحدى قصائد الديوان، هي قصيدة "الليل والفرسان"»....

- الوصف أو التصوير: « يحاول أن يقدم من خلالها صورة عن واقع الحال العربي المعاصر بما يتسم به من ظلامية واستكانة وغياب القيم العدل والخير والبطولة ».

- الشرح أو التفسير: « في المستوى الإيقاعي وظف الشاعر مختلف التشكيلات الايقاعية المتاحة في تفعيلة "متفاعلن" ».

- التقسيم أو الاستقصاء: « وعلى المستوى المعجمي تتوزع القصيدة على عدة حقول دلالية: الحقل الاجتماعي الوجداني/ الديني الحقل التاريخي والجغرافي ».

- الاستشهاد: ومثاله المقطع الذي أورده الناقد كدليل على الصورة الكلية الكبرى المهيمنة على القصيدة ككل، وهي "صورة الليل" التي تواجه القارئ في مطلع القصيدة.



    وفضلا عما سبق، يمكن الحديث عن ظاهرتين تميزان هذا النص بوصفه نصا نقديا، وهما: الاتساق والانسجام:

فأما "الاتساق" فهو سمة تطلق على كل خطاب متى ترابطت أجزاؤه ووحداته اللغوية (كلمات/ جمل/ فقرات). ويتحقق من خلال عدد من الوسائط اللغوية ذات الطابع الحجاجي، يطلق عليها "أدوات الاتساق". ويمكن رصد مظاهر اتساق هذا النص من خلال مجموعة من الوسائل أبرزها ما يلي:

* الربط الإحالي:
- بواسطة أسماء الإشارة: « سأحاول الآن تقديم تحليل نصي لاحدى قصائد الديوان هي قصيدة الليل والفرسان"، من أجل الكشف عن بعض مميزات تلك الرؤيا ».
- بواسطة الضمائر: « تكشف لنا القراءة الأولية».
- بواسطة الأسماء الموصولة: « مع توخي التركيز والإيجاز الذي يتطلبه المقام ».

* الربط بواسطة حروف العطف: (الواو ، الفاء، ثم، حتى، أم، أو، لا، بل، لكن).

* الربط بواسطة حروف أخرى: (من أجل، مع، بما، في، على، إلى جانب، من خلال، إلا إذا، غير أن، إذ، لذلك، وفي المستوى، وعلى المستوى، على أنه والنتيجة، وهكذا، وقد، وبهذا ...).

* التكرار: كتكرار الألفاظ والعبارات التالية: (النص، القصيدة الشاعر، المستوى الإيقاعي، المستوى المعجمي، المستوى التركيبي، المستوى الدلالي الصورة الليل والفرسان...).

* الترادف: «فضلا عما وفرته القوافي المتناظرة والمتشابهة من ايقاعات رتيبة ومتكررة». 

* التضاد: (الجمل الخبرية # الجمل انشائية) - أفعال الماضي # أفعال المضارع - الجملة الفعلية # الجملة الإسمية.

* الرمز: حضور الليل ← القهر/ الخوف / الصمت / الحزن / السكون / الظلام. غياب الفرسان  الرفعة / الشجاعة / الحركة / الفرح / البطولة / النصر.

* إدماج الجزء في الكل: وبهذا الخصوص، أشار الناقد إلى أن ما ينطبق على الكل (الصورة الكبرى) ينطبق على الجزء (الصور الجزئية).



    وأما "الانسجام" فهو سمة يطلقها القارئ على خطاب كلما أمكنه فهمه وتأويله ولذلك يفترض كاتب النص ويراهن، عادة، على أن يوظف القارئ مجموعة من المهارات والقدرات والمعارف من أجل أن يظفر بفهم سليم وقراءة منسجمة للنص، كما يراهن على أن يرتب هذا القارئ تلك القدرات والمعارف في بنيات ذهنية منظمة يعود إليها في أية لحظة من لحظات القراءة والتأويل. يرتبط الرهان الأول بما يعرف بـ"الخلفية المعرفية" للقارئ، والتي تفرض - بالنسبة لهذا النص بالذات - أن يكون على اطلاع على المناهج النقدية بشكل عام، وعلى المنهج البنيوي بوجه خاص، وكذا اعلى الشعر المغربي المعاصر في كليته، وشعر الحسين القمري بالتحديد. ويرتبط الرهان الثاني بما يسمى بـ"الخلفية التنظيمية"، والتي تفرض انتظام تلك المعارف اوالقدرات في الذاكرة والذكاء الطبيعي على شكل بنيات ذهنية أهمها: (الأطر، المدونات، الخطاطات، السيناريوهات) بحيث لا مجال للخلط فيما بينها، أو الفكاك منها...



    وختاما، نخلص إلى أن النص النقدي المدروس هو عبارة عن تحليل نصي لإحدى قصائد ديوان الشاعر المغربي الحسين القمري، وهي قصيدة "الليل والفرسان" المأخوذة من ديوان (كتاب الليالي). وإذا كانت القراءة الأولية في هذا التحليل قد كشفت، على مستوى المضمون العام أن الشاعر حاول أن يقدم من خلال هذه القصيدة، صورة مأساوية عن حال الواقع العربي المعاصر، فإن هذه الصورة لم تتأكد لديه ولم تأخذ مشروعيتها، إلا بعد أن تضافرت كل مستويات النص (الإيقاعية والمعجمية، والتركيبية، والدلالية) على إثباتها ودعمها وتأييدها. وهذا يعني أننا أمام منهج لا يتعامل مع النص الأدبي بوصفه انعكاسا أو تماثلا مع الواقع، وإنما باعتباره بنية لغوية بالدرجة الأولى، وأي فهم دقيق وموضوعي لهذه البنية يحتاج إلى تفكيكها إلى وحدات نصية تتمثل في المستويات التي تمت معالجتها، كما أن لهذا المنهج جهازا مفاهيميا خاصا أهم ما يميزه ارتباطه بالحقل اللغوي /اللساني.

 ولاشك أن منهجا بهذه المواصفات هو بالذات المنهج البنيوي، بماله وبما عليه. وهذا هو حال أي منهج نقدي كان، يضيع جوانب في النص وتظل أخرى غامضة. ولعل هذا هو السر في تنوع المناهج النقدية التي تتعامل مع النص الأدبي، وربما أيضا لهذا السبب يقترح البعض أهمية المقاربة الشمولية في دراسة هذا النص، لأن هذه المقاربة تجمع بين عدة مناهج، وبذلك تكون الأنسب لطبيعة النص الأدبي المعقدة، والأقدر على الإحاطة بجوانبه المختلفة، سواء منها الداخلية أو الخارجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تجدون في هذه المدوّنة دروس مادة اللغة العربية، من منهجيات تحليل النصوص إلى طرق التعامل مع الامتحانات الجهوية والوطنية. كل ذلك في سبيل المساعدة وضمانا للنجاح.