منهجية تحليل قولة من مؤلف "اللص والكلاب" | النموذج التطبيقي ❸
النموذج التطبيقي ❸
يَلُوذُ البطل (سعید مهران)، في رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، بزاوية الشيخ على الجنيدي شاكياً إليه خصومه وأعداءه:
« - هرب الأوغاد، کیف بعد ذلك أستقر ؟ !
- كم عددهم ؟
- ثلاثة ..
- طوبى للدنيا إذا اقتصر أوغادها على ثلاثة..
- هم كثيرون، ولكن غرمائي منهم ثلاثة .. »
"اللص والكلاب"، مكتبة مصر - القاهرة، ص: 131-132.
انطلق من هذا المقطع الروائي، واكتب موضوعا متكاملا، تُضَمّنُه ما يلي:
- ربط المقطع بأحداث الرواية ووقائعها.
- إبراز الخصائص الاجتماعية والنفسية للبطل وطبيعة العلاقة (أو العلاقات) التي تربطه بغيره من الشخصيات الأخرى، والغرماء الثلاثة منهم على وجه الخصوص.
◄ مقدمة:
لمّا كانت علاقة البطل (سعید مهران)، في رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، بغيره من الشخصيات الأخرى، وتفاعله معها (بالسلب أو الإيجاب) خير محدّد لطبيعة سلوكه الاجتماعي وخصائصه الذاتية النفسية والانفعالية ... فإن ذلك ما يعين المتلقي وييسّر له طريق قراءة الرواية وتعرّف أحداثها ووقائعها المختلفة.
فما هي أبرز الخصائص الاجتماعية والنفسية للبطل سعيد مهران ؟ وبِمَ اتّسمت علاقته بباقي الشخصيات الروائية الأخرى عامة، والغرماء الثلاثة منهم بوجه خاص ؟
◄ عرض:
ينحدر سعید مهران ابن العم مهران العجوز بواب عمارة الطلبة وحارسها من أصول اجتماعية متواضعة، عانى طيلة فترة طفولته من التهميش والفقر، كما شارك أباه خدمة الطلبة، ورافقه أيضا إلى زاوية الشيخ علي الجنيدي... غير أن إعجابه بهيبة الشيخ ووقاره وطقوس مريديه الصوفية لم يَحُلْ دون جنوحه وتمرده، وتعاطيه للسرقة بتشجيع من صديقه وأستاذه الطالب السابق "رؤوف علوان" الذي اعتبر صدور ذلك الفعل الجرمي محاولة منه لإحقاق العدالة الاجتماعية الغائبة، وقِصاصا من جشع الأغنياء وتكالبهم على جمع الثروات بغير حق مشروع، قبل أن يتنكر لهذه المبادئ فيما بعد حينما صار صحفيا مرتزقا يشارك هؤلاء الأثرياء بعض أسباب الثراء والنفوذ (الفيلا، المجلة...).
كما أنّ تواطؤ نبوية والمرأة التي أحبها البطل وتزوجها وأنجب منها ابنته (سناء)، مع عليش سدرة، مساعده وصبيه السابق، وإقدامهما معا على الوشاية به للشرطة لتزج به في السجن حتى يستوليا على ماله ويخلو لهما الجو للزاوج ... قد زاد من حدة قلقه وتوتره، كما أن حرمانه من الوصول إلى ابنته، ومطاردة الشرطة اللصيقة له وتضييقها الخناق على أنفاسه قد ضاعف من مستوى حقده على غرمائه ومن والاهم من قوات الشرطة والمخبرين، وأجج في دخيلة نفسه الرغبة في الانتقام منهم. غير أن إخفاقه في ذلك وإنسداد الآفاق في وجهه، وهو المتطلع إلى البطولة والشهرة، ولّد لديه شعوراً حادا ومريعا بالإحباط والعبث، وافتقاد منطق الأشياء والوجود ككل مما عجّل بسقوطه واستسلامه.
وبالنظر إلى علاقات البطل (سعید مهران) بغيره من شخصيات الرواية الأخرى، التي يمكن تصنيفها ضمن أربع فئات متمایزة، يمكن القول بأنه يطبعها بعض التفاوت والاختلاف من فئة لأخرى، كالآتي:
أ- الفئة الأولى: وتضم أفراد أسرته، وهم من یُبادلهم الحب والمودة، ويتم استحضار ذکریاتهم عند استرجاع البطل لطفولته، أو لماضيه بوجه عام، ونذكر منهم : الأب، والأم، وابنته سناء.
ب- الفئة الثانية: وتتألف من الأصدقاء الذين ظلوا على وفائهم وتعاونهم مع البطل حتى بعد خروجه من السجن، وازدیاد موقفه حرجا وخطورة، ومنهم: المومس نور، المعلم طرزان، الشيخ علي الجنيدي...
ج- الفئة الثالثة: وهي الفئة التي يُكِنّ البطل لأفرادها العداء الشديد، ويسعى إلى الانتقام منهم بتصفيتهم جسديا؛ وفي مقدمتهم غرماؤه الثلاثة: صديقه السابق رؤوف علوان، وزوجته السابقة نبوية، ومساعده عليش سدرة، ومن يقف في صفهم من أمثال: المعلم بياظة، والمُخبِر، والشرطة ...
د- الفئة الرابعة: وقد تواجد أصحابها في الزمان أو المكان الخطأ، فكانوا ضحايا لأحداث لا تعنيهم في شيء، مما ضاعف من حنق البطل، وإحساسه بالعبث والإحباط، ودفع به في النهاية إلى الإستسلام، ونقصد بذلك كلا من الموظف شعبان حسين الساكن الجديد في بیت نبوية وعليش سدرة الذي أرداه سعید مهران قتيلا، وبواب فيلا رؤوف علوان الذي تلقى طلقات من رصاص مسدسه...
◄ خاتمة:
باختصار شديد، يمكن القول إنّ مجمل الخصائص الاجتماعية والنفسية المختلفة، كالفقر والتهميش، والقلق والتوتر، والحقد، والرغبة في الانتقام، والإحساس بالفشل والإحباط، والشعور بالعبث... كانت في مجموعها حافزاً للبطل سعید مهران للجنوح إلى الجريمة، وما يتعلق بها من مخاطر وآفات مختلفة. يُضاف إلى ذلك ظروفه وأوضاعه، وعلاقاته المتصالحة أو المتعارضة بغيره من الشخصيات الروائية، وفي مقدمتها غرماؤه الثلاثة: زوجته نبوية، ومساعده عليش سدرة، وأستاذه السابق رؤوف علوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق