جاري تحميل ... مول لعربية - Mol L3arbiya

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

الثانية آداب وعلوم إنسانية

منهجية تحليل قصيدة تكسير البنية - يا غربة الروح لبدر شاكر السياب





منهجية تحليل قصيدة تكسير البنية

يقول الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدة بعنوان "يا غربة الروح": 

يا غُربةَ الرُّوح في دنيا من الحَجَر

والثلجِ والقارِ والفولاذِ والضجرِ،

يا غُربةَ الرُّوح .. لا شمسٌ فأَأتَلِقُ

فيها ولا أُفقُ

يطيرُ فيه خيالي ساعة َ السَّحَر.

نارٌ تضيء الخَواءَ البرْد، تحترقُ

فيها المسافاتُ، تُدْنيني، بلا سَفَرِ،

من نخْل جيكورَ أجني دانيَ الثَّمَرِ.

نارٌ بلا سَمَرٍ

إلاّ أحاديثَ من ماضيَّ تندفقُ

كأنهنّ حَفيفٌ منه أخْيلةٌ

في السّمْع باقيةٌ تبكي بلا شَجَرٍ .

يا غربةَ الروح في دنيا من الحَجَر !   

   

    *    *     *


مسدودةٌ كلُّ أفاقي بأبنيةٍ

سودٍ، وكانت سمائي يلهثُ البصرُ

في شَطّها مثل طير هدّهُ السَّفرُ:

النهرُ والشَّفَقُ

يَميلُ فيه شراعٌ يَرجُفُ الألقُ

في خَفْقِه، وهْو يحْثُو، كُلَّما ارتَعشا

دُنيا فوانيسَ في الشَّطيْن تَحترقُ،

فراشةٌ بعد أخرى تَنشُر الغَبَشا

فوق الجناحيْن .. حتى يَلهثَ النّظرُ.

 

بدر شاكر السياب، شناشيل ابنة الجلبي، منشورات دار 
الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 1965، ص: 81-82.

منهجية تحليل قصيدة تكسير البنية
منهجية تحليل قصيدة تكسير البنية

اُكتب موضوعا إنشائيا متكاملا، تحلل فيه هذا النص، مستثمرا مكتسباتك المعرفية والمنهجية واللغوية، ومسترشدا بما يأتي:
  • تأطير النص ضمن سياقه الثقافي والأدبي، وصياغة فرضية لقراءته؛
  • تكثيف المعاني الواردة في النص؛
  • تحديد الحقول الدلالية المهيمنة في النص، والمعجم المرتبط بها، وإبراز العلاقة القائمة بينها؛
  • رصد الخصائص الفنية للنص (البنية الإيقاعية والصورة الشعرية)، مع تحديد وظائفها؛
  • صياغة خلاصة تركيبية لنتائج التحليل، وبيان أثر تجربة تكسير بنية القصيدة العربية في تطوير الشعر العربي الحديث؛

- تأطير النص ضمن سياقه الثقافي والأدبي، وصياغة فرضية لقراءته:

    ما أن حلّت نكبة 1948م، حتى كانت الرومانسية العربية قد استنفذت أدوارها، ولم يعد ثمة مبرّر لاستمرارها؛ لأن تحدّياتٍ جديدةً وأسئلة ملحّة بدأت تفرض نفسها على المثقّف العربي بشكل عام، وعلى الشاعر بوجه خاص. فكانت الحاجة ماسة إلى ظهور خطاب شعري جديد، ولم يكن هذا الخطاب الجديد سوى حركة "الشعر الحرّ"، والتي إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على أننا بالفعل أمام تجربة شعرية جديدة بكل المقاييس، تجربة عمل أصحابها أمثال: بدر شاكر السياب، نازك الملائك، أمل دنقل، فدوى طوقان، أحمد المجاطي... على تكسير بنية الشعر العربي التقليدي، واستبدالها ببنية مستحدثة تجلّت مظاهرها على مستوى الشكل والمضمون. وحقيقة يعتبر الشاعر العراقي بدر شاكر السياب من أبرز الشعراء الذين بدؤوا هذه المغامرة الفنية الجديدة، وذلك من خلال مجموعة من النصوص الشعرية، على رأسها القصيدة قيد التحليل "يا غربة الروح"، التي نفترض انطلاقا من مجموعة من المشيرات نحو: صاحبها، عنوانها، شكلها الطباعي... أنها قصيدة حداثية بامتياز، ربما سيعبر من خلالها الشاعر عن إحساسه بالغربة بعيدا عن قريته جيكور.

وإذا ثبت انتماء هذا النص إلى الاتجاه الحداثي، فما مدى تمثيله له ؟ وإلى أي حد استطاع تجسيد خصائصه ومقوماته ؟

- تكثيف المعاني الواردة في النص:

يتحدث الشاعر عن إحساسه بالغربة وهو في المدينة بعيد عن حياة الريف (جيكور)، ويقارن بينهما من حيث البساطة والقسوة، ومن ناحية المساحات الواسعة والزحمة.

- يعبّر الشاعر في المقطع الأول، عن انفعاله عندما يضيق ذرعاً بالمدينة التي لا يرى منها إلا حجارةً وثلجاً وضجرا، ويزداد ألمُه عندما تطيفُ به أجنحةُ الخيال، ليتذكّر دفءَ الأيام الماضية في قريته جيكور، فيتلهف إلى العودة لداره إذ سئم حياة بلا طعم ولا جدوى تغني النفس.

- وفي المقطع الثاني يستهلّ الشاعر حديثه بحصار الأبنية العملاقة له فلا يعرف متنفساً يستروح فيه ولا أفقاً يسبح فيه النظر، وسرعان ما نجد السياب يهرع إلى النهر والخضرة والسماء التي تتسع لمد البصر، وإلى الأضواء التي تنعكس لامعة براقة في الماء المتهادي، حيث يلمح الشاعر فراشات محترقة باقترابها من تلك الأضواء.

- تحديد الحقول الدلالية المهيمنة في النص، والمعجم المرتبط بها، وإبراز العلاقة القائمة بينها:

الحقل الدال على الذات / الشاعر:
 (فأَأتَلِقُ، يطيرُ فيه خيالي، تُدْنيني، أجني دانيَ الثَّمَرِ، ماضيَّ، أفاقي، وكانت سمائي...).

الحقل الدال على المدينة:
 (دنيا من الحَجَر والثلجِ والقارِ والفولاذِ والضجرِ، لا شمسٌ فيها ولا أُفقُ، أبنيةٍ سودٍ...).

العلاقة القائمة بين الحقلين: 
علاقة تنافر وتباعد؛ تتجلى في كون الشاعر يعيش اغترابا في المدينة، بسبب زحمتها وضجيجها وحياتها المادية. 

- رصد الخصائص الفنية للنص (البنية الإيقاعية والصورة الشعرية)، مع تحديد وظائفها:

* البنية الإيقاعية:

- الإيقاع الخارجي:

- المزج بين تفعيلتي (مستفعلن - فاعلن) مع بعض التغييرات التي لحقتهما...
- خرق نظام الشطرين واعتماد نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة من  حيث الطول والقصر.

- الإيقاع الداخلي:

- تكرار الأصوات والمدود (الألف، الغين، الكاف، الراء...).
- تكرار الكلمات (نار، تحترق، يلهث...).
- تكرار العبارات (يا غربة الروح في دنيا من الحجر...).
- التوازي الذي يغني التناسب الصوتي والتناغم الإيقاعي في النص...

وقد أدى الإيقاعان الداخلي والخارجي وظيفة ولدت بنية إيقاعية تناغمت مع أحاسيس الشاعر ودفقاته الشعورية، وأسهمت في التعبير عنها...

* الصورة الشعرية:

- توظيف صور مركبة تضم مجموعة من الصور الجزئية المتفاعلة فيما بينها، تمتد عبر مساحة النص، وتتنامى من خلال الأسطر الشعرية (كأنهنّ حَفيفٌ منه أخْيلةٌ... في شَطّها مثل طير هدّهُ السَّفر...).
- تجاوز التصوير التقليدي القائم على علاقة المشابهة والمجاورة إلى تصوير غني بالإيحاء، يقوم على خاصية التشخيص، مما يمنحه بعدا استعاريا ينزاح فيه عن وظائفه المعجمية (يطيرُ فيه خيالي ساعة َ السَّحَر... باقيةٌ تبكي بلا شَجَرٍ...).

وقد أدّت هذه الصور وظيفة إيحائية تعبيرية...

- صياغة خلاصة تركيبية لنتائج التحليل، وبيان أثر تجربة تكسير بنية القصيدة العربية في تطوير الشعر العربي الحديث:

    مما سبق، نستطيع أن نخلص إلى أن النص يعكس تجربة الشاعر المغترب في المدينة، الغارق في الزحمة والضجيج والحياة المادية. ولنقل هذه التجربة، تم التوسّل بجملة من الخصائص الشكلية والمضمونية من قبيل: 

- تجاوز التجربة الذاتية والانفتاح على التجربة الإنسانية التي تستوعب تعقيدات الحياة المعاصرة وتعبر عنها.

- توظيف لغة متميزة بالإيحاء الدلالي؛

- اعتماد نظام المقاطع وخرق نظام الأشطر، واعتماد السطر الشعري المتفاوت من حيث الطول والقصر، والتنويع في القافية والروي؛

- تكثيف الصورة الشعرية ذات الوظيفة الإيحائية؛

     ولا شكّ أنّ نصّا بهذه الخصائص الشكلية والمضمونية، يجسّد بامتياز انتماءه إلى حركة الشعر الحرّ، وبالأخصّ تيار "تكسير البنية" الذي يمثله بدر شاكر السياب خير تمثيل.

هناك تعليق واحد:

  1. القافية موحدة وليست متعددة فهي في كل الأسطر متراكبة مطلقة

    ردحذف

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تجدون في هذه المدوّنة دروس مادة اللغة العربية، من منهجيات تحليل النصوص إلى طرق التعامل مع الامتحانات الجهوية والوطنية. كل ذلك في سبيل المساعدة وضمانا للنجاح.