الثانية آداب وعلوم إنسانية
اللص والكلاب: القراءة التوجيهية للرواية | السّياق | دواعي التأليف | الكاتب | العنوان | الغلاف | فرضيات القراءة
1- السّياق الروائي و دواعي التأليف:
يصنّف النقاد رواية ''اللص والكلاب'' ضمن تجربة نجيب محفوظ الدرامية أو ما يصطلح عليه عامة بالواقعية الجديدة. وقد وجد البعض في هذه المرحلة ما يمكن اعتباره نصوصا روائية ذات عمق فلسفي، بعدما بدأت تظهر بوضوح ملامح البطل الإشكالي، وهو يواجه الواقع بوعيه الشقي متأرجحا بين إكراهات الواقع وأحلام التحول والتغيير من منطلقات مثالية شكلت فيها المعرفة مصدر عذابه وشقائه، بدءاً من ''أولاد حارتنا'' التي ظلت ممنوعة التداول في مصر لزمن قريب، إلى ''ثرثرة فوق النيل''، سنة 1966، مروراً بــ ''اللص والكلاب'' سنة 1961، و''السمان والخريف''، سنة 1962؛ و''الطريق''، سنة 1964، و''الشحاذ''، سنة 1965.
وقد ارتبط ظهور رواية ''اللص والكلاب''، بالتحولات التي عاشها المجتمع المصري في أعقاب ثورة الضباط الأحرار على الملكية، إذ رصدت الواقع النفسي للفرد بين الثبات على القيم والتحول عنها، تطبعها الانتهازية وسيادة المكر والخديعة، بين أقرب الناس بعضهم البعض، وقد تحرك الصراع المحموم من أجل بلوغ أهداف شخصية ضيقة، في تناقض تام مع مبادئ الثورة ووعودها بإعادة التوازن لحياة المجتمع اقتصاديا وسياسيا، الشيء الذي سيفسح المجال لبروز قوى فاعلة تمثل مختلف تلك التناقضات، تختلف انتماءاتها الاجتماعية والفكرية، كي تعبر عن نفسها بمنطق الممارسة الفردية، كانعكاس مباشر أو غير مباشر، لفشل الثورة في تمثل أحلام الناس البسطاء وتطلعاتهم، فما زالت صورة الغنى الفاحش بموازاة الفقر الفاحش، وما زالت ملامح العوالم السفلية للمجتمع، تعيش مرارة الطبقية، فتلجأ إلى اللصوصية لاسترداد حقوقها أو إلى الدعارة لتحقيق حاجاتها.
إنّ رواية "اللص والكلاب" مستوحاة من واقعة حقيقية بطلها "محمود أمين سليمان" الذي شغل الرأي العام لعدة شهور في أوائل عام 1961. وقد لوحظ اهتمام الناس بهذا المجرم وعطف الكثيرين منهم عليه، فقد خرج "محمود أمين سليمان" عن القانون لينتقم من زوجته السابقة ومحاميه لأنهما خاناه وانتهكا شرفه وحرماه من ماله وطفلته وكان هذا سببا هاما من أسباب تعاطف الناس معه، ولتحقيق انتقامه ارتكب العديد من الجرائم في حق الشرطة وبعض أفراد المجتمع، فأثارت هذه الواقعة اهتمام الكاتب واستلهم منها مادته الأدبية التي تجمع بين ما هو واقعي وما هو تخيلي فكانت رواية "اللص والكلاب".
2- التعريف بالكاتب نجيب محفوظ:
نجيب محفوظ كاتب مصري معروف ولد سنة 1912م، بحي الجمالية في القاهرة وهي منطقة شعبية وصفها في الكثير من رواياته، منها "خان الخليلي". نشأ في أسرة متوسطة، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس القاهرة. ثم اتحق بعد ذلك بالجامعة حيث درس الفلسفة بكلية الآداب وتخرج منها سنة 1934. التحق بسلك الوظيفة، فتقلب في عدة وظائف حكومية كان آخرها منصب المستشار بوزارة الثقافة المصرية إلى أن أحيل على التقاعد. حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب سنة 1988م بسبب دوره الرائد في ازدهار الفن الروائي العربي بصفة خاصة والعالمي بصفة عامة، وقد ترجمت قصصه ورواياته إلى العديد من اللغات.
ومن مؤلفاته الروائية:
- القاهرة الجديدة
- اللص والكلاب
- خان الخليلي
- الطريق
- زقاق المدق
- الشحاذ
- ثرثرة فوق النيل
- بداية و نهاية
- أولاد حارتنا...
وما يهمنا أكثر من حياته هو أنه عايش ثورة مصر سنة 1952م، واستوعب التحولات الاجتماعية والسياسية وأثرها على نفسية الشعب المصري. إنه من الجيل الذي فتح عينيه على الصراع الدائر بين القوى الوطنية التقدمية والحكم الرجعي الاستعماري الإنجليزي في نفس الوقت. كان لهذا كله أثره البعيد في تكوين وعيه العميق بمأساة مجتمعه.
توفي نجيب محفوظ بالقاهرة سنة 2006 عن سن يناهز 95 سنة
3- دلالة عنوان المؤلف:
العنوان هو أول خطاب لفظي يواجه القارئ، ويوجه أفق انتظاره للنص، بل يلخصه له في أحيان كثيرة، لذا كان من البد أن نقف على عنوان المؤلف "اللص والكلاب".
يتألف عنوان المؤلف تركيبيا من لفظتين هما "اللص" و"الكلاب" بينهما حرف عطف الواو، الذي يؤكد وجود علاقة بينهما، أما دلاليا فتوحي لفظة اللص إلى ذلك الشخص الخارج عن القانون والمستولي على ممتلكات الغير، والذي جرمته كل الديانات السماوية وأصدرت ضده عقوبات متفاوتة، والذي يرمز خلافا للكلاب للخيانة والغدر، بينما الكلاب ترمز للإخلاص والأمانة والوفاء لدرجة ربط الوفاء بهذا الحيوان الأليف.
فهل يعكس لصّ وكلاب الرواية هذه الدلالات ؟
4- قراءة في غلاف الرواية:
يتشكل غلاف رواية اللص والكلاب من المشيرات الآتية:
* مسدس في يد رجل يبدو من خلال ذراعيه أنه يرتدي بدلة سوداء، وقميصا أبيض اللون ومن خلال فوهة المسدس تبدو شرارة رصاصة على شكل خط أحمر، الأمر الذي يوحي بأن أجواء معركة تدور بين هذا الرجل وأطراف أخرى.
* تحت ذراعي هذا الرجل نرى سطح إحدى العمارات التي كسيت واجهتها بالطلاء الأسود في حين تبدو العمارة السكنية الأخرى بواجهتها الخضراء القاتمة اللون.
* خلف سطح العمارة القاتمة اللون يعكس السواد شبح كلبين ومقبرة (القرافة) التي تبدو شواهد قبورها منتصبة.
* تحت ذراعي الرجل الذي يطلق الرصاص من مسدسه صورة امرأة في فستانها الأحمر تحمل حقيبة سوداء وعلبة ملفوفة في ورق أبيض.
* تعكس نظرات هذه المرأة حالة الخوف والهلع لا شك أنه بسبب أصوات الرصاص المدوي في الشارع.
* على يسار صورة المرأة كتب عنوان الرواية بالأبيض (اللص والكلاب) بحروف بارزة ومائلة لا تخلو من مسحة فنية.
* فوق ذراعي الرجل صاحب المسدس، وعلى اليمين كتب اسم نجيب محفوظ في فضاء اختلطت فيها الزرقة بشيء من السواد. إذ لون السماء يوحي بأننا في لحظة من لحظات المساء القادم الذي بدأ يكسو بالسواد المدينة بشوارعها ومقبرتها وكلابها. أما على يسار الغلاف فنجد اسم دار النشر التي أصدرت الرواية (مكتبة مصر).
5- فرضيات القراءة:
* ثمة جريمة قد ارتُكِبَتْ، وصيغة البناء للمجهول تشير إلى أن مرتكب هذه الجرائم قد يكون الرجل الذي يطلق الرصاص من مسدسه. وأن هذا الرجل (لص) والكلاب البوليسية تطارده، وهناك رسوم كثيرة تقوي هذا الاحتمال و تعززه.
* يتبين من خلال الغلاف أن الأحداث (سرقة أو قتل...) ستقع في المدينة، المدينة الحديثة كما يبدو من خلال هندام المرأة وصاحب المسدس والبنايات.
* إن الرسم باعتباره فنا تصويريا لابد له من ركائز حسية، وغلاف رواية اللص والكلاب مساحة مكانية ملموسة لإنجاز الخطاب؛ الذراعان، المرأة، البنايات، الشارع، المسدس، الرصاص، المقبرة، الكلاب... هذه هي الركائز التي سيتشكل منها الخطاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق