تمهيد:
لقد كان وراء ظهور حركة البعث والإحياء عدة عوامل، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الاستبداد العثماني / الغزو النابليوني / الاستعمار الغربي للعالم العربي / ظهور تيارات وطنية تنادي بإجلاء الاستعمار، وأخرى سلفية توفيقية تنادي بالأصالة والمعاصرة ...
وقد تميّز شعر روّاد هذه الحركة بمجموعة من الخصائص، أهمها: إعادة إنتاج الأغراض الشعرية القديمة / اعتماد مدونة معجمية جاهزة / توظيف صور شعرية من التراث الشعري القديم / النظم على منوال البناء الخليلي / توظيف أساليب تقريرية واضحة، وخطابية مقنعة، وإنشائية مؤثرة.
ويعتبر البارودي رائدا المدرسة التقليدية، بحيث عمل على تقليد الشعر العربي في مراحل ازدهاره الأولى، وقد ظهر هذا التقليد على مستويين:
* على مستوى المضامين من حيث توظيف أغراض القدماء و صورهم الشعرية ومعانيهم .
* من حيث المبنى أو الشكل كاستخدام اللغة التراثية والبنية الإيقاعية الموروثة .
تُرى هل يعكس هذا النص المنحى البعثي الإحيائي الذي عُرف به الشَّاعر؟
ملاحظة النص:
1- نوعية النص:
قصيدة شعرية عمودية، تتميز بنظام الشطرين المتناظرين ووحدة الوزن والقافية والروي.
2- صاحب النص:
هو الشاعر محمود سامي البارودي، ولد عام 1838م، تخرج من المدرسة الحربية عام 1858م حيث شارك في حروب كريت وروسيا تحت راية الدولة العثمانية، شغل عدة مناصب سياسية لكن مشاركته في الثورة العُرابية التي انتهت بالفشل عَرَّضَته للاعتقال والنفي إلى جزيرة سيلان التي قضى بها 17 سنة، عُرف البارودي بشَغَفِه بالشعر قراءةً وكتابةً ومُعَارضةً للقدماء، كل ذلك جعله من رواد مدرسة البعث والإحياء، وقد توفي سنة 1904م.
3- قراءة في العنوان:
يتكون العنوان من ثلاثة ألفاظ هي عبارة عن حرف وفعل واسم: سوف: حرف تسويف واستقبال لا يدخل إلا على الفعل المضارع فَيُخْلصه للاستقبال، والفعل يَبِين: ومعنى ذلك أن الشاعر يُمَنِّي نفسه بشيء غير متحقق في الوقت الحاضر ولكنه سيتحقق فيما يُسْتَقْبَلُ من الزمان، أما الاسم (الحق)، فمن خلاله نستشعر إحساسا بالظلم لدى الشاعر.
4- الفرضية:
نفترض انطلاقا من نوعية النص ومعلومات صاحب النص وعنوانه، أن الشاعر سيعبّر عن معاناته جراء النفي، وافتخاره بنفسه.
فهم النص:
أ) المضمون العام:
تعبير الشاعر عن معاناته جراء النفي، وافتخاره بنفسه.
ب) الوحدات الدلالية:
* بدء الشاعر بمقدمة وجدانية تحدث فيها عن طيف ابنته الذي زاره في المنام.
* صبر الشاعر على فراق أهله و أحبته.
* افتخار الشاعر بنفسه وتبرئتها من الخيانة.
* تأكيد الشاعر أن الوضع المأساوي الذي يعيشه سوف ينجلي بظهور الحق.
تحليل النص:
1- المعجم:
استخدم الشاعر عددا كبيرا من الكلمات الصعبة وغير المتداولة في عصره مثل: السَّمَاِدر، مَنْدُوحة، المَعَايِر، المَفَاقِر، صؤُول، فَلَّ، غَمْرَة… وقد ركز على الحقل الدال على الصبر والمعاناة، وكذلك الحقل الدال على الفخر:
* حقل الصبر والمعاناة: صبرت، كره، أصابني، صابر، يصبر، رزية، الدوائر…
* حقل الفخر: ملكت، رُمْت، العُلاَ، أبت نفسي، أنا المرء، قؤول، صؤول…
استخدم الشاعر الوسائل التقليدية في بناء الصورة الشعرية مثل التشبيه والاستعارة والكناية:
التشبيه: تمثلها الذكرى لعيني كأنني إليها ناظر.
الاستعارة: ومن لم يذق حلو الزمان ومره.
الكِناية: ملكت عُقَاب المُلْكِ.
هذه الصور الشعرية تتميز بكونها مادية محسوسة –على غرار الصور الشعرية للقدماء– وقد استخدمت للتعبير عن أحاسيس وأفكار الشاعر (الوظيفة التعبيرية).
تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ*** وَمَا الطَّيْفُ إلاَّ مَا تُرِيهِ الْخَوَاطِرُ
تَأَوْوَبَ طَيْفُنْ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُو*** وَمَطْطَيْفُ إلْلَا مَا تُرِيهِ لْخَوَاطِرُو
/ / 0 / / / 0 / 0 / 0 / / 0 / / / 0 / / 0 / / 0 / 0 / / 0 / 0 / 0 / / 0 / 0 / / 0 / / 0
فعول مفاعــيــلن فعول مـفاعلن فعـولـن مفاعـيـلن فعولن مفاعلن
نلاحظ أن الشاعر اعتمد بنية إيقاعية تقليدية حيث التزم ببحر من البحور الخليلية وهو بحر الطويل، كما اعتمد نظام الشطرين وقافية موحدة (واطرو /0//0)، وروي موحد هو حرف الراء. بالإضافة إلى استخدام التصريع في البيت الأول (زائرو /0//0 = واطرو /0//0).
4- الإيقاع الداخلي:
عمد فيه الشاعر على تكرار مجموعة من الأصوات كتكرار حرف النون في البيت 2 والبيت 18 والصاد في البيت 8، وتكرار بعض الكلمات الاشتقاقية كما في البيت 12 (لو رمت ما رام) والبيت 6 (صبرت، صابر).
5- الأسلوب:
- زاوج الشاعر بين الجمل الفعلية التي تدل على الحركة والتحول، وهو تحول واضح من خلال نفسية الشاعر التي تحس بالظلم و تسعى للتخلص منه، والجمل الاسمية التي كانت مناسبة لغرض الفخر ولإثبات الصفات التي افتخر بها.
- كما أن النص غلبت عليه الجمل الخبرية التقريرية التي تحتمل التصديق والتكذيب، مع وجود بعض الجمل الإنشائية كالاستفهام (وأي حسام لم تصبه كلالة ؟) والنهي (فلا تحسبن المال ينفع ربه) .
التّركيب والتقويم:
من خلال تحليلنا لمستويات هذه القصيدة يمكن أن نؤكد أنها تنتمي إلى المدرسة التقليدية بسبب مظاهر التقليد التي توفرت فيها والتي نجملها في ما يأتي:
- استخدام غرض تقليدي وهو الفخر.
- البدء بمقدمة وجدانية على غرار القدماء الذين كانوا يبدؤون بمقدمة طللية أو غزلية.
- تعدد الأغراض الشعرية في القصيدة.
- توظيف عدد كبير من الألفاظ الصعبة غير المتداولة في عصر الشاعر.
- استخدام الوسائل التقليدية في بناء الصورة الشعرية كالتشبيه والاستعارة.
- الالتزام ببنية إيقاعية موروثة تجلت في التصريع وبحر الطويل ونظام الشطرين وقافية موحدة بروي موحد.
- التركيز على الجمل الخبرية التقريرية.
وهذه الخصائص كلها تعكس بامتياز انتماء النص إلى الاتجاه الإحيائي، خصوصا أنّ "محمود سامي البارودي" هو رائد هذا الاتجاه، وأحد أبرز رموزه الكبار بدون أي منازع.
لقد عكستم امثلة الحقول الدلالية
ردحذفيرجى تصحيح الخطأ
كيف
حذفشكرا على هذه المجهودات
حذف